يكتب ديفيد هيرست أن مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد كشف تحوّلًا خطيرًا في الاستراتيجية الإسرائيلية، حيث اختارت تل أبيب التصعيد العسكري والهيمنة بدل استثمار لحظة تاريخية لبناء علاقة جديدة مع سوريا ما بعد الحرب، وهو خيار يهدد بتحويل سوريا إلى نقطة الانكسار في طموحات إسرائيل الإقليمية.
قدم المقال الذي نشره موقع ميدل إيست آي قراءة معمقة لتداعيات السياسة الإسرائيلية بعد انهيار النظام السوري، في سياق إقليمي يتسم بتعدد الصراعات وتآكل القدرة على السيطرة.
من فرصة سياسية إلى عداء مفتوح
بعد سقوط الأسد، ظهر الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع بخطاب تصالحي واضح، حرص فيه على طمأنة إسرائيل بأن سوريا الجديدة لا تشكل تهديدًا لها. صدرت تصريحات مشابهة عن محافظ دمشق، الذي أكد رغبة حكومته في السلام وعدم التدخل في أمن أي دولة. جاءت هذه المواقف في ذروة حرب الإبادة في غزة، ما أثار خيبة أمل فلسطينية، لكنها عكست إرهاق شعب عاش أكثر من 14 عامًا من الحرب.
كان بوسع إسرائيل، بحسب الكاتب، أن تتعامل مع هذا الواقع ببراجماتية، فتدعم النظام الجديد سياسيًا في واشنطن وتحوّل دمشق إلى شريك أو جار محايد على الأقل. سبق لنتنياهو أن استخدم هذا الأسلوب عندما مهّد الطريق لمحمد بن سلمان في الولايات المتحدة. لكن تل أبيب اختارت العكس، فأطلقت حملة قصف واسعة دمّرت سلاح الجو السوري، وأغرقت أسطوله، وشلّت دفاعاته الجوية، قبل أن تبدأ توغلًا بريًا في جنوب سوريا، شمل السيطرة على جبل الشيخ ومساحات أوسع من قطاع غزة.
سياسة الإضعاف الدائم
دافع وزير الدفاع الإسرائيلي عن الاجتياح بحجج أمنية مرتبطة بهجوم 7 أكتوبر، لكن الكاتب يرى أن هذه التبريرات تخفي هدفًا أقدم: إضعاف سوريا بشكل دائم وتقسيمها إلى كانتونات، على غرار النموذج الليبي. هدفت هذه الخطة إلى قطع خطوط إمداد إيران إلى حزب الله، وإقصاء تركيا عن شمال سوريا، وفتح ممر جوي يتيح لإسرائيل قصف إيران بسهولة.
سعت تل أبيب إلى استغلال الأقليات، خصوصًا الدروز والأكراد، لتكريس نفوذها. غير أن قيادات درزية بارزة رفضت في البداية الاحتلال الإسرائيلي، وأكدت ثقتها الحذرة بالحكومة الجديدة في دمشق. لكن صدامات طائفية دامية لاحقًا دفعت بعض الزعماء الدروز إلى تغيير موقفهم، والمطالبة بتدويل قضية السويداء، ما وفّر لإسرائيل ذريعة إضافية للتدخل.
في المقابل، قوبلت الغارات الإسرائيلية المتكررة، التي تجاوزت 600 ضربة منذ وصول الشرع إلى السلطة، بصمت عملي من دمشق وأنقرة. حاولت تركيا تثبيت وجود عسكري عبر اتفاق دفاعي، لكنها اكتفت في النهاية بدور تدريبي محدود، وفضّلت التفاوض مع إسرائيل بدل المواجهة، ما سمح لتل أبيب بملء الفراغ وفرض شروطها.
استنزاف بلا نهاية
يشير الكاتب إلى أن الدعم الأميركي للشرع، خاصة من الرئيس دونالد ترامب، شكّل عامل إحباط لإسرائيل. دفع ترامب باتجاه رفع عقوبات قيصر، وامتنع عن تحميل دمشق مسؤولية هجوم لتنظيم الدولة أودى بحياة جنود أميركيين، موجّهًا التهديد للتنظيم بدل الحكومة السورية. هذا الموقف عزز قناعة إسرائيل بأن المسار الدبلوماسي لا يخدم طموحاتها.
في الداخل الإسرائيلي، تعكس تصريحات عسكرية وسياسية رؤية متطرفة لسوريا، تُختزل في كونها كيانًا هشًا طائفيًا، مع التركيز على منع أي نفوذ تركي أو إسلامي قرب الحدود. في المقابل، رفع الشرع منسوب الخطاب السياسي، متهمًا إسرائيل بتصدير الأزمات لتغطية مجازر غزة، مع استمرار رهانه على وساطة أميركية لفرض انسحاب إسرائيلي.
يستشهد الكاتب بتصريح نتنياهو الذي وصف حروبه بأنها “لا تنتهي”، مستخدمًا تشبيهًا طبّيًا بالسرطان. يرى هيرست في هذا التشبيه اعترافًا ضمنيًا بأن إسرائيل لن تنتصر في صراع دائم، لأن الاستنزاف المستمر يقوّي خصومها ويُضعفها في الوقت ذاته، وقد يتحول العلاج ذاته إلى سبب الهلاك.
يخلص المقال إلى أن تعدد الجبهات المفتوحة في غزة ولبنان وسوريا، مع تجاهل اتفاقيات وقف إطلاق النار، وضع الجيش الإسرائيلي في حالة تمدد مفرط. وقد تصبح سوريا، تحديدًا في اللحظة التي تنقلب فيها الطموحات العسكرية الإسرائيلية إلى عبء استراتيجي، خارج السيطرة، محققة نبوءة نتنياهو بطريقة معاكسة لما أراد.
https://www.middleeasteye.net/opinion/how-israels-overreach-syria-could-be-its-downfall

